05 يونيو 2011

يا من غره الأمل استيقظ من الغفلة فالموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الناس اتقوا الله ربكم واحذروا الغفلة عن أمر عظيم مهيب رهيب كلكم مقبل عليه و هو قريب ليس عنكم ببعيد
لن ينجو منه غني ولافقير ولاكبير ولاصغير ولاملك أو وزير كلكم قادمون عليه فمهما حذرتموه
لتجتنبوه فإنه ملاقيكم وإنما تفرون إليه وهو قدامكم وليس من وراءكم ولوكان أحد ناجي منه لنجى رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البشر وأحبهم إلى الله ثم لنجى منه أبوبكر وعمر وسائر من تقدم أو تأخر من البشر

فإذا نزل بكم

فلن يدفعه مال ولاجاه ولاسلطان ولاطبيب ولو كان حاذقا لبيب يتفرق على إثره الأحباب والأصحاب ويتوسد المرء من بعد وثير الفراش به التراب و يلف بالأكفان وتحمله أعناق الرجال
فأصبح وقد كان فلان بن فلان ذوالجاه الذي كان يشار إليه بالبنان جثمان تأكل منه الديدان واضمحل عنه الجمال وأنتنت عليه الجوارح والأركان فجازاه عما تقدم في أيام الدنيا الفانية الرحمن من بعد فإما عذاب أليم أو رحمة من رب العالمين

إنه الموت هاذم اللذات ومفرق الجماعات فإن له سكرات وآه ثم آه من سكرات فمن تاب قبل الغراغرات ولله أناب فقد نجا من عذاب رب الأرض والسموات أو كان تحت مشيئته إن كان
موحدا ولكنه عاصيا وعن بعض ماأوجبه الله عليه معرضا

وقد كثر موت الفجأة فأفيقوا عباد الله فهو ياتي فجأة والقبر صندوق العمل

روى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال : لليلتين و أن تتخذ المساجد طرقا

و أن يظهر موت الفجأة .



ثم إن للموت لفزعا ورهبة
-------------------------

فروى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن للموت لفزعا

قال تعالى : وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيد وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ

وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ

وقال : قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

وقال : أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً

فكم عاش النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم المقربين عند رب العالمين عدد سنين فسأل العادين فإنه مات ابن ثلاثة وستين فلم يكن من المعمرين

فيابن آدم عش ماشئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واجمع ماشئت فإنك تاركه

روى البخاري عن عائشة قالت : إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت : ألينه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم فلينته فأمره وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات " . ثم نصب يده فجعل يقول : " في الرفيق الأعلى " . حتى قبض ومالت يده .

فمن ذا الذي هو ناجي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الحياة الأخرى على الحياة الدنيا
ثم أعمار أمته من بعده بين الستين إلى السبعين فقلما يجوز ذلك فاقرأ دواوين الوفيات فلن تجد أكثرهم قبل السبعين إلا قد مات

روى الترمذي في جامعه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ




فسارعوا عباد الله بالتوبة النصوح وبالعمل الدؤوب وإرجاع الحقوق إلى أهلها قبل أن تفتلت النفس فتبلغ الروح الحلقوم فتكون الغرغرة فلاتقبل توبة
فيسارع بالجنازة محمولة على أكتاف الرجال إلى القبر فيكون الندم ولاة ساعة مندم

فالموت ياصاحبي لايعرف صحيحا ولامريضا ولاصغيرا أو كبيرا

فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وكم من فتى أصبح وأمسى ضاحكا وأكفانه تنسج في الغيب وهو لايدري

فقد خرج الترمذي في جامعه عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

فيامن بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
الموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل

كل ابن انثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول

روى الإمام أحمد في مسنده عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي

فليبذل العاقل قبل وفاته وانتها ء قصة حياته ثم حسابه كل وسيلة للإستقامة على التوحيد والعمل بسنة سيد العبيد

فمن ذلك أخذ العلم عن أهله من أهل الحديث والتوحيد ثم العمل به فذلك وسيلة الثبات حتى الممات

قال تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا

قال بن سيرين إن هذا العلم دين فلينظر عمن يأخذ دينه

فمن أخذ دينه عن مبتدع فتدين ببدعته فقد أخطأ طريق الجنة

والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل كما جاء في الحديث

فإن الرجل يقول عن قرين السوء يوم القيامة ومن دله على الضلالة بدل الهدى
ياليت بينه وبين بعد الْمَشْرِقَيْنِ وبعد المغربين فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مشتركون

وادعوا الله رغبا ورهبا قائلين كما كان يقول رسول رب العالمين يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك

ويقول اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري واصلح لي دناي التي فيها معاشي واصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر

فياعباد الله أياكم والظلم فإن الله حرمه على نفسه وجعله بينكم محرما كما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولاتحاسدوا ولاتباغضوا ولاتتدابروا وكونوا كما أمركم المشفق عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد الله إخوانا

وإياكم والكبر وهو رد الحق بعد ماتبين فمثاقيل الذر منه في القلب يمنع الجنة كما أخبر رسول الأمة فقال لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر

وكونوا عباد الله في صلاتكم خاشعين ولسنة نبيكم متبعين ولفروجكم حافظين وللآمانة راعين واذكروا الله رب العالمين ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ولاتكونوا من الغافلين
فقد قال معاذ لاشيء أنجى من عذاب الله مثل ذكر الله وصوموا نهاركم وقوموا لله ليلكم وسلوا السخيمة والبغضاء من قلوبكم واستعدوا ليوم الرحيل إلى ربكم

فالدنيا دار ممر والآخرة دار المستقر فتزودوا من ممركم إلى مستقركم وتأهلوا ليوم العرض على ربكم فاليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولاعمل

أدبرت الدنيا وأقبلت الآخرة ولكل بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولاتكونوا من أبناء الدنيا وإياكم والأمل فإنه يصدكم عن التوبة وإياكم والهوى فإنه يصدكم عن الحق

وارضوا بأقدار رب العالمين واصبروا على العلم طلبه وتبليغه واتقوا الله الذي تساءلون به واتقوا الله في الأرحام فلاتقطعوها وأعظم الرحم الأم

فاعدوا للحساب جوابا فلن يسألكم إلا الله بنفسه بلا ترجمان ولو من الملائكة الكرام فيشهد عليكم جلودكم فتنطق وأرجلكم وأيديكم فتشهد بما كنتم تكسبون ولتكن أعمالكم في كل ذلك مقرونة بعد التوحيد وافراد الله بالعبادة وتحقيق لمعنى لاإله إلا الله بإخلاص وخوف ورجاء وتعظيم ومحبة لرب العالمين



فضيلة الشيخ / ماهر بن ظافر القحطاني
----------------------------------------
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق